فصل: الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان ***


‏[‏الْمُقَدِّمَةُ‏]‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَبَعْدُ‏:‏

فَإِنَّ الْفِقْهَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ قَدْرًا، وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا، وَأَتَمُّهَا عَائِدَةً، وَأَعَمُّهَا فَائِدَةً، وَأَعْلَاهَا مَرْتَبَةً، وَأَسْنَاهَا مَنْقَبَةً، يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا، وَالْقُلُوبَ سُرُورًا، وَالصُّدُورَ انْشِرَاحًا، وَيُفِيدُ الْأُمُورَ اتِّسَاعًا وَانْفِتَاحًا‏.‏

هَذَا لِأَنَّ مَا بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ عَلَى سُنَنِ النِّظَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى وَتِيرَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ، إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ، وَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ فِي وُجُوهِ الْأَحْكَامِ، بُحُورُهُ زَاخِرَةٌ، وَرِيَاضُهُ نَاضِرَةٌ، وَنُجُومُهُ زَاهِرَةٌ، وَأُصُولُهُ ثَابِتَةٌ وَفُرُوعُهُ نَابِتَةٌ، لَا يَفْنَى بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ كَنْزُهُ، وَلَا يَبْلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ عِزُّهُ‏.‏

وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ كُنْهَ صِفَاتِهِ *** وَلَوْ أَنَّ أَعْضَائِي جَمِيعًا تَكَلَّمُ

وَأَهْلُهُ قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ، وَبِهِمْ ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ، وَإِلَيْهِمْ الْمَفْزَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى، خُصُوصًا أَنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَالنَّاسُ لَهُمْ أَتْبَاعٌ؛وَالنَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ‏:‏ مِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏"‏ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ عَنْ حَرْمَلَةَ، وَهُوَ كَالصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مِنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَأَلَّفَهُ وَفَرَّعَ أَحْكَامَهُ عَلَى أُصُولِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَإِنَّ الْمَشَايِخَ الْكِرَامَ قَدْ أَلَّفُوا مَا بَيْنَ مُخْتَصَرٍ وَمُطَوَّلٍ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى، وَاجْتَهَدُوا فِي الْمَذْهَبِ وَالْفَتْوَى وَحَرَّرُوا وَنَقَّحُوا، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُمْ، إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ لَهُمْ كِتَابًا يَحْكِي كِتَابَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ الشَّافِعِيّ مُشْتَمِلًا عَلَى فُنُونٍ فِي الْفِقْهِ‏.‏ وَقَدْ كُنْت لَمَّا وَصَلْت فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إلَى تَبْيِيضِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، أَلَّفْت كِتَابًا مُخْتَصَرًا فِي الضَّوَابِطِ وَالِاسْتِثْنَاءَات مِنْهَا، سَمَّيْته بِـ‏"‏الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ‏"‏ وَصَلَ إلَى خَمْسِمِائَةِ ضَابِطَةٍ، فَأُلْهِمْتُ أَنْ أَصْنَعَ كِتَابًا عَلَى النَّمَطِ السَّابِقِ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعَةِ فُنُونٍ‏.‏

يَكُونُ هَذَا الْمُؤَلَّفُ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْهَا‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُرَدُّ إلَيْهَا وَفَرَّعُوا الْأَحْكَامَ عَلَيْهَا‏.‏

وَهِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَبِهَا يَرْتَقِي الْفَقِيهُ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَوْ فِي الْفَتْوَى، وَأَكْثَرُ فُرُوعِهَا ظَفِرْت بِهِ فِي كُتُبٍ غَرِيبَةٍ أَوْ عَثَرْت بِهِ فِي غَيْرِ مَظِنَّةٍ إلَّا أَنِّي بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ لَا أَنْقُلُ إلَّا الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ، وَ إِنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَوْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا‏.‏

وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ جَمَعَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَ عَشْرَةَ قَاعِدَةً وَرَدَّهُ إلَيْهَا‏.‏

وَلَهُ حِكَايَةٌ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ سَافَرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَبُوطَاهِرٍ ضَرِيرًا، يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ، فَالْتَفَّ الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرٍ وَخَرَجَ النَّاسُ وَأَغْلَقَ أَبُو طَاهِرٍ بَابَ الْمَسْجِدِ وَسَرَدَ مِنْهَا سَبْعَةً فَحَصَلَتْ لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ فَأَحَسَّ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابِهِ وَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ الضَّوَابِطُ وَمَا دَخَلَ فِيهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا، وَهُوَ أَنْفَعُ الْأَقْسَامِ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُؤَلَّفِينَ يَذْكُرُ ضَابِطَهُ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ أَشْيَاءَ، فَأَذْكُرُ فِيهَا أَنِّي زِدْت عَلَيْهِ أَشْيَاءَ أُخَرَ، فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَزِيدِ ظَنَّ الدُّخُولَ وَهِيَ خَارِجَةٌ كَمَا سَتَرَاهُ، وَلِهَذَا وَقَعَ مَوْقِعًا حَسَنًا عِنْدَ ذَوِي الْإِنْصَافِ، وَابْتَهَجَ بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ مَعْرِفَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ مَعْرِفَةُ الْأَلْغَازِ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ الْحِيَلُ‏.‏

السَّادِسُ‏:‏ الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَصَاحِبِيهِ وَالْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُطَارَحَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَالْمُرَاسَلَاتِ وَالْغَرِيبَاتِ‏.‏

وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ اللَّهِ الْفَتَّاحِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ إذَا تَمَّ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ يَصِيرُ نُزْهَةً لِلنَّاظِرِينَ، وَمَرْجِعًا لَلْمُدَرِّسِينَ، وَمَطْلَبًا لِلْمُحَقِّقِينَ، وَمُعْتَمَدًا لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ، وَغَنِيْمَةً لِلْمُحَصِّلِينَ وَكَشْفًا لِكَرْبِ الْمَلْهُوفِينَ‏.‏

هَذَا لِأَنَّ الْفِقْهَ أَوَّلُ فُنُونِي، طَالَ مَا أَسْهَرْتُ فِيهِ عُيُونِي وَأَعْمَلْت بَدَنِي إعْمَالَ الْجِدِّ مَا بَيْنَ بَصَرِي وَيَدِي وَظُنُونِي، وَلَمْ أَزَلْ مُنْذُ زَمَنِ الطَّلَبِ أَعْتَنِي بِكُتُبِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَأَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَا هُجِرَ مِنْهَا سَعْيًا حَثِيثًا، إلَى أَنْ وَقَفْت مِنْهَا عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ، وَأَحَطْتُ بِغَالِبِ الْمَوْجُودِ فِي بَلَدِنَا ‏(‏الْقَاهِرَةِ‏)‏ مُطَالَعَةً وَتَأَمُّلًا بِحَيْثُ لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا إلَّا النَّزْرُ الْيَسِيرُ، مَا سَتَرَاهُ عِنْدَ سَرْدِهَا، مَعَ ضَمِّ الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ لَكُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ ابْتِدَاءِ أَمْرِي، كَـ‏:‏

كِتَابِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ، وَالتَّقْوِيمُ لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ، وَالتَّنْقِيحُ وَشَرْحُهُ وَشَرْحُ شَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ، وَشُرُوحُ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَالتَّقْرِيرُ، حَتَّى اخْتَصَرْتُ تَحْرِيرَ الْمُحَقِّقِ ابْنَ الْهُمَامِ وَسَمَّيْته‏"‏ لُبَّ الْأُصُولِ‏"‏‏.‏

ثُمَّ شَرَحْت الْمَنَارَ شَرْحًا جَاءَ، بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، فَائِقًا عَلَى نَوْعِهِ فَنَشْرَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، فِيمَا قَصَدْنَاهُ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ ‏(‏بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ‏)‏ تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ بَعْضِ فُنُونِهِ، سَائِلًا اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُؤَلِّفَهُ وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ إنَّهُ خَيْرُ مَأْمُولٍ وَإِنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ كَيْدَ الْحَاسِدِينَ وَافْتِرَاءَ الْمُتَعَصِّبِينَ‏.‏

وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الْفَنَّ لَا يُدْرَكُ بِالتَّمَنِّي، وَلَا يُنَالُ، بِسَوْفَ وَلَعَلَّ، وَلَوْ أَنِّي، وَلَا يَنَالُهُ إلَّا مَنْ كَشَفَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ، وَشَمَّرَ وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ، وَخَاضَ الْبِحَارَ، وَخَالَطَ الْعَجَاجَ، يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَيُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَانًا وَمَقِيلًا، لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إلَّا مُعْضِلَةً وَبِحِلِّهَا، أَوْ مُسْتَصْعَبَةً عَزَّتْ عَلَى الْقَاصِرِينَ إلَّا وَيَرْتَقِي إلَيْهَا وَ يَحِلُّهَا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ‏.‏

‏[‏مَصَادِرُ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ والنَّظَائِرِ‏]‏

وَهَأَنَذَا أَذْكُرُ الْكُتُبَ الَّتِي نَقَلْت مِنْهَامُؤَلَّفَاتِي الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عِنْدِي فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ‏.‏

فَمِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ‏:‏ النِّهَايَةُ وَغَايَةُ الْبَيَانِ، وَالْعِنَايَةُ، وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْبِنَايَةُ، وَالْغَايَةُ، وَفَتْحُ الْقَدِيرِ‏.‏

وَمِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ‏:‏ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَمِسْكِينٌ‏.‏

وَمِنْ شُرُوحِ الْقُدُورِيِّ‏:‏ السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ، وَالْجَوْهَرَةُ، وَالْمُجْتَبَى وَالْأَقْطَعُ‏.‏

وَمِنْ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ‏:‏ لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْمَلِكِ، وَرَأَيْت شَرْحًا لِلْعَيْنِيِّ وَقْفًا، وَشَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، وَشَرْحُ الْوَافِي لِلْكَافِي، وَشَرْحُ الْوُقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ، وَإِيضَاحُ الْإِصْلَاحِ، وَشَرْحُ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْفَارِسِيِّ، وَتَلْخِيصُ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْبَدَائِعُ لِلْكَاسَانِيِّ، وَشَرْحُ التُّحْفَةِ وَالْمَبْسُوطُ شَرْحُ الْكَافِي، وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ لِمُلَّا خُسْرو وَالْهِدَايَةُ، وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالِاخْتِيَارُ‏.‏

وَمِنْ الْفَتَاوَى‏:‏ الْخَانِيَّةُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْبَزَّازِيَّةُ، وَالظَّهِيرِيَّةُ، وَالْوَلْوالِجِيَّة، وَالْعُمْدَةُ، وَالْعُدَّةُ، وَالصُّغْرَى، وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ، وَالْقُنْيَةُ، وَالْمُنْيَةُ وَالْغُنْيَةُ، وَمَآلُ الْفَتَاوَى، وَالتَّلْقِيحُ لِلْمَحْبُوبِيِّ، وَالتَّهْذِيبُ لِلْقَلَانِسِيِّ، وَفَتَاوَى قَارِي الْهِدَايَةِ، وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالْعِمَادِيَّةُ، وَجَامِعُ الْفُصُولَيْنِ وَالْخَرَاجُ لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَوْقَافُ الْخَصَّافِ، وَالْإِسْعَافُ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيُّ، وَالْيَتِيمَةُ وَالْمُحِيطُ الرَّضَوِيُّ، وَالذَّخِيرَةُ وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ، وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ وَلِابْنِ الشِّحْنَةِ، وَالصَّيْرَفِيَّةُ، وَخِزَانَةُ الْفَتَاوَى، وَبَعْضُ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَبَعْضُ السِّرَاجِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة، وَالتَّجْنِيسُ، وَخِزَانَةُ الْفِقْهِ، وَحَيْرَةُ الْفُقَهَاءِ، وَمَنَاقِبُ الْكَرْدَرِيِّ، وَطَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ‏.‏

الْفَنُّ الْأَوَّلُ‏:‏ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ

النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى‏:‏ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ

صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفِقْهِ أَوَّلُهَا فِي الْوُضُوءِ، سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ‏.‏

وَعَلَى هَذَا قَرَّرُوا حَدِيثَ‏:‏ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى، إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ التَّقْدِيرِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا، فَقَدَّرُوا مُضَافًا أَيْ حُكْمَ الْأَعْمَالِ‏.‏

وَهُوَ نَوْعَانِ أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَدُنْيَوِيٌّ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ‏.‏

وَقَدْ أُرِيدَ الْأُخْرَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، إمَّا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ، أَوْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ صِحَّةِ الْكَلَامِ بِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ‏.‏

وَالثَّانِي أَوْجَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْوَسَائِلِ لِلصِّحَّةِ وَلَا عَلَى الْمَقَاصِدِ أَيْضًا‏.‏

وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ، لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ مِفْتَاحٌ لِلصَّلَاةِ‏.‏

وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِبَادَاتِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِآيَةِ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ‏}‏‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَالْأَوَانِي لِلصِّحَّةِ‏.‏

وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِدَلَالَةِ آيَتِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْقَصْدُ، وَأَمَّا غَسْلُ الْمَيِّتِ، فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ‏.‏

وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ‏:‏ أَنَّ الْغَرِيقَ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ نُوِيَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ فَثَلَاثًا، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهَا إلَّا الْإِسْلَامَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ‏.‏

وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْكُفْرِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَحْثِ التُّرُوكِ‏.‏

وَأَمَّا الْكُفْرُ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ لِقَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ كُفْرَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا يُكَفَّرُ‏.‏

إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَيْنَهُ كُفْرٌ، كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ‏.‏

فَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ، إلَّا بِهَا، فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا‏.‏

وَإِذَا نَوَى قَطَعَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِمُنَافٍ، وَلَوْ نَوَى الِانْتِقَالَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى وَشَرَعَ بِالتَّكْبِيرِ، صَارَ مُنْتَقِلًا وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ إلَّا بِنِيَّةٍ وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ بِدُونِ نِيَّتِهَا خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ، كَمَا فِي الْبِنَايَةِ إلَّا إذَا صَلَّى خَلْفَهُ نِسَاءٌ، فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ بِهِ بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ‏.‏

وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ‏.‏

وَهَلْ يَحْنَثُ‏؟‏ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ‏:‏ يَحْنَثُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا إنْ أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا يَحْنَثُ قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ أَمَّ النَّاسَ هَذَا الْحَالِفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ صَحَّتْ وَحَنِثَ قَضَاءً، وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا فَأَمَّ النَّاسَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّهُ وَيَؤُمَّ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ‏.‏

وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ‏.‏

وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عَلَى قَوْلِ مِنْ يَرَاهَا مَشْرُوعَةً‏.‏

وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نِيَّتِهَا لَا فِي الْجَوَازِ، وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَا تَضُرُّهُ نِيَّةُ عَدَمِهِ وَقْتَ السَّلَامِ‏.‏

وَأَمَّا النِّيَّةُ لِلْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ فَشَرْطٌ لِصِحَّتِهَا، حَتَّى لَوْ عَطَسَ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُطَاسِ غَيْرُ قَاصِدٍ لَهَا لَمْ تَصِحُّ، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَخُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ‏:‏ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، سِوَى تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ‏.‏

وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلثَّوَابِ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، فَشَرْطُ الْجُرْجَانِيِّ لِصِحَّتِهِ النِّيَّةَ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى مِحْرَابٍ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ‏.‏

وَأَمَّا سِتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا‏.‏

وَلَا تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ طَهَارَتِهِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ‏.‏

وَأَمَّا الزَّكَاةُ؛ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ‏:‏ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَتُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ أَخْذِهَا، فَقَامَ أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ بِاخْتِيَارِهِ‏.‏

فَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَرْهًا‏.‏

قَالَ فِي الْمُحِيطِ‏:‏ وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَالسَّاعِي لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ كَرْهًا، وَلَوْ أَخَذَ لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ، وَلَكِنْ يُجْبِرُهُ بِالْحَبْسِ لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏ وَخَرَجَ عَنْ اشْتِرَاطِهَا لَهَا‏.‏، مَا إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْبَعْضِ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَقَالُوا وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِي الْعُرُوضِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتِّجَارَةِ، فَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْقَنِيَّةِ نَاوِيًا أَنَّهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ الْمُسْتَعَارَةُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِوَلَوْ قَارَنَتْ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ بِمَالِ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْخَلْعِ وَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ، لَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

وَفِي السَّائِمَةِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ إسَامَتِهَا لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَكْثَرُ الْحَوْلِ، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ التِّجَارَةُ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنْ قَارَنَتْ الشِّرَاءَ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ أَوْ الْأَكْلُ فَلَا زَكَاةَ أَصْلًا‏.‏

وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الصَّوْمِ فَشَرْطُ صِحَّتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَوْ عَلَّقَهَا بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُ الْأَقْوَالَ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْهَا، وَالْفَرْضُ وَالسُّنَّةُ وَالنَّفَلُ فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ‏.‏

وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْحَجِّ فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهِ أَيْضًا فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَالْعُمْرَةُ كَذَلِكَ، وَلَا تَكُونُ إلَّا سُنَّةً‏.‏

وَالْمَنْذُورُ كَالْفَرْضِ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ‏.‏

وَالْقَضَاءُ فِي الْكُلِّ كَالْأَدَاءِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ النِّيَّةِ‏.‏

وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا‏.‏ أَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَالنِّيَّةُ شَرْطُ صِحَّتِهَا عِتْقًا أَوْ صِيَامًا أَوْ إطْعَامًا‏.‏ وَأَمَّا الضَّحَايَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، لَكِنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ الذَّبْحِ‏.‏ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنٍ، فَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَمْ يَضْمَنْهُ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ ضَمِنَهُ لَا تُجْزِيهِ‏.‏

كَمَا فِي أُضْحِيَّةِ الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏.‏

وَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْأُضْحِيَّةُ بِالنِّيَّةِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّتِهَا تَعَيَّنَتْ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ تَتَعَيَّنْ‏.‏

وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ مُطْلَقًا فَيَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ بَعْدَ أَيَّامِهَا حَيَّةً‏.‏

وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَالْهَدَايَا كَالضَّحَايَا وَأَمَّا الْعِتْقُ فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَا عِبَادَةَ لَهُ‏.‏

فَإِنْ نَوَى وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عِبَادَةً مُثَابًا عَلَيْهَا، وَإِنْ أَعْتَقَ بِلَا نِيَّةٍ صَحَّ وَلَا ثَوَابَ لَهُ إنْ كَانَ صَرِيحًا‏.‏ وَأَمَّا الْكِنَايَاتُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ فَإِنْ أَعْتَقَ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ صَحَّ وَأَثِمَ‏.‏

وَإِنْ أَعْتَقَ لِأَجْلِ مَخْلُوقٍ صَحَّ، وَكَانَ مُبَاحًا لَا ثَوَابَ وَلَا إثْمَ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ الْإِعْتَاقُ لِلصَّنَمِ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ كَافِرًا، أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ لَهُ قَاصِدًا تَعْظِيمَهُ كَفَرَ، كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ لِمَخْلُوقٍ مَكْرُوهًا‏.‏

وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِنَايَةُ كَالْعِتْقِ‏.‏ وَأَمَّا الْجِهَادُ، فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خُلُوصِ النِّيَّةِ‏.‏

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَكَالْعِتْقِ إنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ فَلَهُ الثَّوَابُ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ، فَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ فَلَهُ الثَّوَابُ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَالُوا إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ؛ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ إعْفَافَ نَفْسِهِ وَتُحْصِينَهَا وَحُصُولَ وَلَدٍ‏.‏

وَفَسَّرْنَا الِاعْتِدَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ شَرْحِ الْكَنْزِ، لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ، قَالُوا‏:‏ يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ الْهَزْلِ، لَكِنْ قَالُوا حَتَّى لَوْ عَقَدَ بِلَفْظٍ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ‏.‏

وَالْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهِ، عَلِمَ الشُّهُودُ أَوْ لَا، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ‏.‏

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْقُرُبِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، بِمَعْنَى تَوَقُّفِ حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ تَعْلِيمًا وَإِفْتَاءً وَتَصْنِيفًا‏.‏ وَأَمَّا الْقَضَاءُ، فَقَالُوا إنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَالثَّوَابُ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا‏.‏

وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، وَكُلِّ مَا يَتَعَاطَاهُ الْحُكَّامُ وَالْوُلَاةُ، وَكَذَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ صِفَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ‏.‏

فَإِذَا قُصِدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ أَوْ التَّوَصُّلُ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً، كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَأَنْوَاعٌ‏:‏ فَالْبَيْعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، وَكَذَا الْإِقَالَةُ وَالْإِجَارَةُ، لَكِنْ قَالُوا‏:‏ إنْ عَقَدَ بِمُضَارِعٍ لَمْ يُصَدَّرْ بِسَوْفَ أَوْ السِّينِ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ كَانَ بَيْعًا، وَإِلَّا لَا‏.‏

بِخِلَافِ صِيغَةِ الْمَاضِي فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا الْمُضَارِعُ الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ كَالْأَمْرِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ وَلَا بِالنِّيَّةِ‏.‏

وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ‏.‏

وَقَالُوا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَى بِحُكْمِهِ مَعَهُ‏.‏ وَأَمَّا الْهِبَةُ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ‏.‏

قَالُوا لَوْ وَهَبَ مُمَازِحًا صَحَّتْ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَكِنْ لَوْ لُقِّنَ الْهِبَةَ وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ تَصِحَّ، لَا لِأَجْلِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ الرِّضَى‏.‏

وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ بِالتَّلْقِينِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُمَا، لِأَنَّ الرِّضَى لَيْسَ شَرْطَهُمَا وَلِذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِمَا يَقَعَانِ‏.‏ وَأَمَّا الطَّلَاقُ، فَصَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ‏.‏

فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ إلَيْهَا؛ فَلَوْ طَلَّقَ غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِئًا وَقَعَ، حَتَّى قَالُوا‏.‏

إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ قَضَاءً، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَهَا بِاللَّفْظِ‏.‏

قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَقَعْ وَلَوْ كَتَبْت امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ لَهُ اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِعَدَمِ قَصْدِهَا بِاللَّفْظِ‏.‏

وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ؛ نَاوِيًا الطَّلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ دِيَانَةً وَوَقَعَ قَضَاءً، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَضَاءً وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا دِيَانَةً، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا هَازِلًا يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، لِأَنَّ الشَّارِعَ، جَعَلَ هَزْلَهُ بِهِ جِدًّا‏.‏

وَقَالُوا لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا نِيَّةُ الْبَائِنِ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْمَصْدَرِ؛ أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً، وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ‏.‏ وَأَمَّا كِنَايَاتُهُ فَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَةِ دِيَانَةً، سَوَاءً كَانَ مَعَهَا مُذَاكَرَةُ الطَّلَاقِ أَوْ لَا‏.‏

وَالْمُذَاكَرَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ إلَّا فِي لَفْظِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِنْ قَوْمٍ يُرِيدُونَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ وَأَمَّا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صَرِيحًا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ، وَمَا كَانَ كِنَايَةً اُشْتُرِطَتْ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَكَالنِّكَاحِ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَتُهُ، لَكِنْ مَا كَانَ مِنْهَا صَرِيحًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَكِنَايَتُهَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا‏.‏

وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَيَنْعَقِدُ إذَا حَلَفَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِيًا أَوْ مُكْرَهًا‏.‏

وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ‏.‏ وَأَمَّا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي الْيَمِينِ فَمَقْبُولَةٌ دِيَانَةً اتِّفَاقًا، وَقَضَاءً عِنْدَ الْخَصَّافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا‏.‏ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ لِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفْ‏؟‏ وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا خُصُوصًا، لَا إنْ كَانَ ظَالِمًا، كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ‏.‏

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ وَالْوَكَالَةُ فَيَصِحَّانِ بِدُونِهَا، وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَازَةُ وَكَذَا الْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ‏.‏

وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى قَصْدِ الْقَاتِلِ الْقَتْلَ، قَالُوا‏:‏ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ أَمْرًا بَاطِنِيًّا أُقِيمَتْ الْآلَةُ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً كَانَ عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِلَّا فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً، لَكِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ‏.‏

وَأَمَّا الْخَطَأُ بِأَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ‏.‏ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، قَالُوا‏:‏ إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بِالْقَصْدِ، فَجَوَّزُوا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ، وَالْأَدْعِيَةِ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ، لَكِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ‏:‏ لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ‏.‏

وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ فِي مَحِلِّهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ‏.‏

وَأَمَّا الضَّمَانُ؛ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ فِي شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ‏؟‏ فَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ‏:‏ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا ثُمَّ نَزَعَهُ وَمِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ بِلُبْسِهِ‏.‏

وَقَالُوا فِي الْمُودَعِ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ نَزَعَهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ‏.‏

وَأَمَّا التُّرُوكُ؛ كَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ، مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ‏:‏ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَذَكَرُوهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ؛ وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ، وَأَمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ كَفًّا، وَهُوَ أَنْ تَدْعُوَهُ النَّفْسُ إلَيْهِ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ فَيَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ فَهُوَ مُثَابٌ، وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ عَلَى تَرْكِهِ، فَلَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا وَهُوَ يُصَلِّي، وَلَا يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا، وَلَا الْأَعْمَى عَلَى تَرْكِ النَّظَرَ إلَى الْمُحَرَّمِ‏.‏

وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الزَّكَاةِ‏:‏ لَوْ نَوَى مَا لِلتِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى فِيمَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَعْمَلَ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ، فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالْخِدْمَةُ تَرْكُ التِّجَارَةِ فَتَتِمُّ بِهَا‏.‏ قَالُوا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْمَعْلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ‏.‏

حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَيَكُونُ مُقِيمًاوَصَائِمًا وَكَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ، كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمِنْ هُنَا وَمِمَّا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمَشَايِخِ، صَحَّ لَنَا وَضْعُ قَاعِدَةٍ لِلْفِقْهِ هِيَ الثَّانِيَةُ‏:‏

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ‏:‏ الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا

كَمَا عَلِمْت فِي التُّرُوكِ‏.‏ وَذَكَرَ قَاضِي خَانَ فِي فَتَاوَاهُ‏:‏

إنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا إنْ قَصَدَ بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ لِأَجْلِ التَّخْمِيرِ حَرُمَ وَكَذَا غَرْسُ الْكَرْمِ عَلَى هَذَا‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَعَلَى هَذَا عَصِيرُ الْعِنَبِ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ أَوْ الْخَمْرِيَّةِ، وَالْهَجْرُ فَوْقَ ثَلَاثٍ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ، فَإِنْ قَصَدَ هَجْرَ الْمُسْلِمِ حَرُمَ وَإِلَّا لَا‏.‏

وَالْإِحْدَادُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ زَوْجِهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ، فَإِنْ قَصَدَتْ تَرْكَ الزِّينَةِ وَالتَّطَيُّبِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ حَرُمَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا‏.‏ وَكَذَا قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ جَوَابًا لِكَلَامٍ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏

وَكَذَا إذَا أُخْبِرَ الْمُصَلِّي بِمَا يَسُرُّهُ فَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَاصِدًا الشُّكْرَ بَطُلَتْ، أَوْ بِمَا يَسُوءُهُ فَقَالَ‏:‏ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، أَوْ بِمَوْتِ إنْسَانٍ فَقَالَ‏:‏ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَاصِدًا لَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمْ بِكُفْرِهِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ كَلَامٍ النَّاسِ، كَمَا إذَا اجْتَمَعُوا فَقَرَأَ ‏{‏فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا‏}‏، وَكَذَا إذَا قَرَأَ ‏{‏وَكَأْسًا دِهَاقًا‏}‏ عِنْدَ رُؤْيَةِ كَأْسٍ‏.‏

وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ، كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى قَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ‏.‏

وَقَالَ قَاضِي خَانْ‏:‏ الْفُقَّاعِيُّ إذَا قَالَ عِنْدَ فَتْحِ الْفُقَّاعِ لِلْمُشْتَرِي‏:‏ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ‏:‏ قَالُوا يَكُونُ آثِمًا، وَكَذَا الْحَارِسُ إذَا قَالَ فِي الْحِرَاسَةِ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَعْنِي لِأَجْلِ الْإِعْلَامِ، بِأَنَّهُ مُسْتَيْقِظٌ بِخِلَافِ الْعَالِمِ إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ‏:‏ صَلَّوْا عَلَى النَّبِيِّ‏.‏

فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَا الْقَارِئُ إذَا قَالَ‏:‏ كَبَّرُوا يُثَابُ‏.‏

لِأَنَّ الْحَارِسَ وَالْفُقَّاعِيَّ يَأْخُذَانِ بِذَلِكَ أَجْرًا‏.‏

رَجُلٌ جَاءَ إلَى بَزَّازٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا فَلَمَّا فَتَحَ الْمَتَاعَ قَالَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ‏.‏

إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إعْلَامَ الْمُشْتَرِي جَوْدَةَ ثِيَابِهِ وَمَتَاعِهِ كُرِهَ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏ وَفِيهَا أَيْضًا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ‏:‏ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك‏.‏

قَالُوا إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ أَنْ يُطِيلَ اللهُ بَقَاءَهُ‏.‏

لَعَلَّهُ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ عَنْ ذُلٍّ وَصَغَارٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ لَهُ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

رَجُلٌ أَمْسَكَ الْمُصْحَفَ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَقْرَأُ قَالُوا إنْ نَوَى بِهِ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ لَا يَأْثَمُ وَيُرْجَى لَهُ الثَّوَابُ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ رَجُلٌ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ قَالُوا إنْ نَوَى أَنَّ الْفَسَقَةَ يَشْتَغِلُونَ بِالْفِسْقِ وَأَنَا أَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ وَإِنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ نَاوِيًا أَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَأَنَا أُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُسَبِّحَ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ‏.‏

وَإِنْ سَبَّحَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ سَبَّحَ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَعْمَلُ الْفِسْقَ كَانَ آثِمًا‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏

إنْ سَجَدَ لِلسُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّحِيَّةَ وَالتَّعْظِيمَ دُونَ الصَّلَاة لَا يَكْفُرُ‏.‏

أَصْلُهُ أَمْرُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَسُجُودُ إخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلْمَلِكِ بِالْقَتْلِ فَإِنْ أَمَرُوهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ، كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ لِلتَّحِيَّةِ فَالْأَفْضَلُ السُّجُودُ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ حَرَامٌ بِقَصْدِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ أَوْ مُؤَاكَلَةَ الضَّيْفِ فَمُسْتَحَبٌّوَقَالُوا‏:‏ الْكَافِرُ إذَا تَتَرَّسَ بِمُسْلِمٍ فَإِنْ رَمَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَصَدَ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرُمَ، وَإِنْ قَصَدَ قَتْلَ الْكَافِرِ لَا‏.‏

وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا فُرُوعًا كَثِيرَةً شَاهِدَةً لِمَا أَسَّسْنَاهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا‏.‏

وَقَالُوا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ؛ إنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ رَدِّهَا حَلَّ رَفْعُهَا وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ نَفْسِهِ كَانَ غَاصِبًا آثِمًاوَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ‏:‏ إذَا تَوَسَّدَ الْكِتَابَ فَإِنْ قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا كُرِهَ‏.‏

وَإِنْ غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ قَصَدَ الظِّلَّ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ قَصَدَ مَنْفَعَةً أُخْرَى يُكْرَهُ‏.‏ وَكِتَابَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ الْعَلَامَةُ لَا يُكْرَهُ وَلِلتَّهَاوُنِ يُكْرَهُوَالْجُلُوسُ عَلَى جَوَالِقَ فِيهِ مُصْحَفٌ، إنْ قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا يُكْرَهُ‏.‏

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَشْمَلُهُمَا الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ‏.‏

وَفِيهَا مَبَاحِثُ عَشَرَةُ‏:‏

الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهَا‏.‏

الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ‏.‏

الثَّالِثُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ‏.‏

الرَّابِعُ فِي بَيَانِ التَّعَرُّضِ لِصِفَةِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ‏.‏

الْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا‏.‏

السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

السَّابِعُ فِي بَيَانِ وَقْتِهَا‏.‏

الثَّامِنُ فِي بَيَانِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ اسْتِمْرَارِهَا وَفِيهِ حُكْمُهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ‏.‏

التَّاسِعُ فِي مَحِلِّهَا‏.‏

الْعَاشِرُ فِي شُرُوطِهَا‏.‏

أَمَّا‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ في بيان حقيقة النية

فَهِيَ، فِي اللُّغَةِ، الْقَصْدُ‏.‏

كَمَا فِي الْقَامُوسِ نَوَى الشَّيْءَ يَنْوِيهِ نِيَّةً مُشَدَّدَةٌ وَتُخَفَّفُ قَصَدَهُ‏.‏

وَفِي الشَّرْعِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ‏.‏

وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النِّيَّةَ فِي التُّرُوكِ لِأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَّا إذَا صَارَ التَّرْكُ كَفًّا وَهُوَ فِعْلٌ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْي لَا التَّرْكِ بِمَعْنَى الْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الْقُدْرَةِ لِلْعَبْدِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَعَرَّفَهَا الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّهَا شَرْعًا الْإِرَادَةُ الْمُتَوَجِّهَةُ نَحْوَ الْفِعْلِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِثَالًا لِحُكْمِهِ‏.‏

وَلُغَةً انْبِعَاثُ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا‏.‏

الثَّانِي‏:‏ فِي بَيَانِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ

قَالُوا الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ كَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ‏.‏

قَدْ يَكُونُ حِمْيَةً أَوْ تَدَاوِيًا‏.‏

أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ يَكُونُ قُرْبَةً‏.‏

وَدَفْعُ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ هِبَةً أَوْ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَقَدْ يَكُونُ قُرْبَةً، زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً وَالذَّبْحُ قَدْ يَكُونُ لِأَكْلٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا‏.‏

أَوْ لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَكُونُ عِبَادَةً أَوْ لِقُدُومِ أَمِيرٍ فَيَكُونُ حَرَامًا أَوْ كُفْرًا عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْوَاجِبِ‏.‏

فَشُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ عِبَادَةً أَوْ مَا لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالنِّيَّةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ‏.‏

وَالْأَذْكَارِ لِأَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لَا تَلْتَبِسُ بِغَيْرِهَا‏.‏

وَمَا عَدَا الْإِيمَانَ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَكِنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الْإِيمَانِ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قَالَ إنَّ مَا لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ‏.‏

وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْآذَانَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ‏.‏

الثَّالِثُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِهِ

الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَنْوِيَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عِبَادَةً فَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا ظَرْفًا لِلْمُؤَدِّي بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَعَهُ وَغَيْرَهُ‏.‏

فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَالصَّلَاةِ كَأَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ فَإِنْ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ كَظُهْرِ الْيَوْمِ صَحَّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ بِالْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَقْتُ‏.‏

فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ وَفَرْضُ الْوَقْتِ كَظُهْرِ الْوَقْتِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلٌ لَا أَصْلٌ‏.‏

إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادَهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا غَيْرَ اُخْتُلِفَ فِيهِ‏.‏

وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قَالُوا وَعَلَامَةُ التَّعْيِينِ لِلصَّلَاةِ أَنْ نَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ أَيُّ صَلَاةٍ تُصَلِّي يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ بِلَا تَأَمُّلٍ‏.‏

وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مِعْيَارًا لَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ غَيْرَهَا كَالصَّوْمِ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إنْ كَانَ الصَّائِمُ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَوَاجِبٌ آخَرُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ‏.‏

وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ‏.‏

وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ‏.‏

وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مُشْكِلًا كَوَقْتِ الْحَجِّ يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي السَّنَةِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً‏.‏

وَالظَّرْفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَفْعَالَهُ لَا تَسْتَغْرِقُ وَقْتَهُ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى الْمِعْيَارِيَّةِ‏.‏

وَإِنْ نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَمَّا نَوَى نَظَرًا إلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَسْقُطُ التَّعْيِينُ فِي الصَّلَاةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ لِأَنَّ السَّعَةَ بَاقِيَةٌ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا صَحَّ‏.‏

وَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَلَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ قَوْلًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ كَالْحَانِثِ فِي الْيَمِينِ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا فِي ضِمْنِ فِعْلِهِ هَذَا فِي الْأَدَاءِ؛ وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ صَلَاةً وَصَوْمًا أَوْ حَجًّا وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِتَمْيِيزِ الْفُرُوضِ الْمُتَّحِدَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ يَوْمًا نَاوِيًا عَنْهُ وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا وَأَمَّا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا‏.‏

وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْمَخْلَصُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ الْفَائِتَةَ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ‏.‏

أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ‏.‏

وَهَذَا مُشْكِلٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ‏.‏

كَذَا فِي التَّبْيِينِ‏.‏

وَقَالُوا فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ جَازَ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ لِكَوْنِهِ يَقَعُ لَهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُمَيَّزُ بِالنِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ‏.‏

قَالُوا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا لِيَقَعَ طَهَارَةً وَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ غَيْرُهُ‏.‏

الضَّابِطُ فِي هَذَا الْبَحْثِ‏:‏ التَّعْيِينُ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ‏:‏

فَنِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ‏.‏

وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ كَانَ لَغْوًا‏.‏

وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَالصَّلَاةُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ‏.‏

فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا شُهُودُ الشَّهْرِ فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ‏.‏

فَصَامَ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ‏.‏

أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ يَوْمًا عَنْ قَضَاءِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَمَا إذَا نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ‏.‏

وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَيَّنَ لُغِيَ‏.‏

وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الظِّهَارِ مِنْ كِتَابِنَا شَرْحِ الْكَنْزِ وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ فَقَالُوا لَوْ عَجَّلَ خَمْسَةَ سُودٍ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ السُّودُ قَبْلَ الْحَوْلِ‏.‏

وَعِنْدَهُ نِصَابٌ آخَرُ كَانَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي‏.‏

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الصَّوْمِ‏:‏ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن جَازَ‏.‏

وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ‏.‏

حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ وَاحِدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيَّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ‏.‏

وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَاسْتُحِقَّ مَا عَجَّلَ عَنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلِ‏.‏

لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَجَّلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ فَبَطَلَ التَّعْجِيلُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي بُطُونِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ خَمْسٌ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَمَّا عَجَّلَ وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ‏.‏

هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ كَالْمَنْذُورِ وَالْوِتْرِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْعِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيَنْوِي الْوِتْرَ لَا الْوِتْرَ الْوَاجِبَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ‏.‏

وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ‏.‏

وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِأَيِّ تِلَاوَةٍ سَجَدَ لَهَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ‏.‏

وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ‏.‏

وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِهَا‏.‏

وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا تَهَجُّدٌ بِظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إذَا صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأُخْرَى بَعْدَهُ كَانَتَا عَنْ السُّنَّةِ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْوَقْتِ؛ وَلَمْ يُوجَدْ‏.‏ وَقَالُوا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الظُّهْرِ سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ لِلْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا‏.‏

وَلَا تَكُونَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ لِكَوْنِ السُّنَّةِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِتَحْرِيمِهِ مُبْتَدَئِهِ وَلَمْ تُوجَدْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي التَّرَاوِيحِ هَلْ تَقَعُ التَّرَاوِيحُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ‏؟‏ فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ الِاشْتِرَاطَ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَفَرَّعَ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِلسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَعَدَمِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى هِيَ‏:‏ لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ نَاوِيًا آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ أَوَّلَ‏.‏

أَدْرَكَ وَقْتَهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ‏.‏

فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا؛ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ وَهُوَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا بَطَلَ وَصْفُهَا لَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ‏.‏

خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا تَكُونُ عَنْ السُّنَّةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ الصِّيَامَاتُ الْمَسْنُونَةُ بِالصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّعْيِينُ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ‏.‏

تَكْمِيلُ‏:‏

السُّنَن الرَّوَاتِب فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً‏.‏

رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا‏.‏

وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْوِتْرِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ عَلَى قَوْلٍ‏.‏

وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ‏:‏

فَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدِهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَسِتٌّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ، وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ‏.‏

وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَقِيْلَ‏:‏ وبَعْدَ الْقُعُودِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، كَذَلِكَ تَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا‏.‏

وَصَلَاةُ الضُّحَى وَأَقَلُّهَا أَرْبَعٌ وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشَرَ رَكْعَةٍ‏.‏

وَصَلَاةُ الْحَاجَةِ وَصَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ كَمَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتَمَامِهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَلَيْلَةُ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ‏.‏

ضَابِطٌ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ‏:‏

الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لَهُ لَا يَضُرُّ كَتَعْيِينِ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَزَمَانِهَا وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَلَوْ عَيَّنَ عَدَدَ رَكَعَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا صَحَّ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَنِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَخَمْسًا صَحَّتْ وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ‏.‏

وَكَمَا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِهِ فَبَانَ غَيْرُهُ وَمِنْهُ مَا إذَا عَيَّنَ الْأَدَاءَ فَبَانَ أَنَّ الْوَقْتَ خَرَجَ أَوْ الْقَضَاءَ فَبَانَ أَنَّهُ بَاقٍ وَعَلَى هَذَا الشَّاهِدِ إذَا ذَكَرَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ لَوْنِ الدَّابَّةِ فَذَكَرُوا لَوْنًا‏.‏

ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الدَّعْوَى وَذَكَرُوا لَوْنًا آخَرَ تُقْبَلُ‏.‏

وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا يَضُرُّ‏.‏

وَأَمَّا فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْخَطَأِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْإِمَامُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ كَيْ لَا يَظْهَرَ كَوْنُهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ‏.‏

فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْقَائِمَ فِي الْمِحْرَابِ‏.‏

كَائِنًا مَنْ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو‏.‏

جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا رَأَى‏.‏

وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ‏.‏

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة‏:‏

صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنَّ هَذَا ظُهْرُ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ جَازَ ظُهْرُهُ فَالْغَلَطُ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ‏.‏

وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَإِذَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ غَيْرُهُ جَازَ، وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ جَازَ لِأَنَّهُ عَرِفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ كَانَ آخِرُ الصُّفُوفِ لَا يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَيْضًا‏.‏

وَمِثْلُه مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ‏.‏

كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ‏.‏ وَفِي الْفَتَاوَى الْعُمَدِ لَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّيْخِ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ صَحَّ؛ لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ‏.‏

وَالْإِشَارَةُ هُنَا لَا تَكْفِي لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إشَارَةً إلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إلَى شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ فَتَأَمَّلْ‏.‏

وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ الذَّكَرِ فَبَانَ أَنَّهُ أُنْثَى لَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا يَضُرُّ إلَّا إذَا بَانَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الزَّائِدُ‏.‏

مَسْأَلَةٌ‏:‏

لَيْسَ لَنَا وَأَنْ يَنْوِيَ خِلَافَ مَا يُؤَدِّي إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ نَوَاهَا جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا، عِنْدَهُ‏.‏

وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا جُمُعَةً فَلَا اسْتِثْنَاءَوَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَنْوِيُّ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ؛ قَالُوا فِي الْوُضُوءِ لَا يَنْوِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ‏.‏

وَاعْتَرَضَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الْكَنْزِ فِي قَوْلِهِ وَنِيَّةَ بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا اعْتَرَضُوا عَلَى الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ‏.‏

وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ‏.‏

وَعِنْدَ الْبَعْضِ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ تَكْفِي وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا إنَّهُ يَنْوِي عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِثْلَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ قَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا تُؤَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِهَا وَفِي التَّيَمُّمِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ‏.‏

فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ‏.‏

وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُحْدِثًا‏.‏

وَأَمَّا إذَا كَانَ جُنُبًا فَتَيَمَّمَ لَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ‏.‏

الرَّابِعُ، فِي صِفَةِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ

أَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ فِي الْفَرْضِ فَقَالَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الصَّلَاة وَنِيَّةِ الْفَرْضِ وَنِيَّةِ التَّعْيِينِ‏.‏

حَتَّى لَوْ نَوَى الْفَرْضَ يُجْزِيهِ‏.‏

وَالْوَاجِبَاتُ كَالْفَرَائِضِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا النَّافِلَةُ وَالسُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ‏.‏

فَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَبِنِيَّةٍ مُبَايِنَة وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ افْتِرَاضَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا لَا تَجُوزُ وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ مِنْهَا فَرْضًا وَنَفْلًا وَلَا يُمَيِّزُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فِيهَا فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ جَازَ‏.‏

وَلَوْ ظَنَّ الْكُلَّ فَرْضًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ إنْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ‏.‏

وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُصَلُّونَ سِتَّةٌ‏:‏

الْأَوَّلُ مَنْ عَلِمَ الْفُرُوضَ مِنْهَا وَالسُّنَنَ مِنْهَاوَعَلِمَ مَعْنَى الْفَرْضِ أَنَّهُ مَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِفِعْلِهِ وَالْعِقَابَ بِتَرْكِهِ‏.‏وَالسُّنَّةُ مَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِفِعْلِهَا وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فَنَوَى الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَجْزَأَتْهُ وَأَغْنَتْ نِيَّةَ الظُّهْرِ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ‏.‏

وَالثَّانِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَنْوِي الْفَرْضَ فَرْضًا‏.‏

وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ تُجْزِيهِ‏.‏

وَالثَّالِثُ يَنْوِي الْفَرْضَ وَيَعْلَمُ مَعْنَاهُ لَا تُجْزِيهِ‏.‏

وَالرَّابِعُ عَلِمَ أَنَّ فِيمَا يُصَلِّيهِ النَّاسُ فَرَائِضَ وَنَوَافِلَ فَيُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي النَّاسُ وَلَا يُمَيِّزُ الْفَرَائِضَ مِنْ النَّوَافِلِ لَا تُجْزِيهِ، لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الْفَرْضِ شَرْطٌ وَقِيلَ يُجْزِيهِ مَا صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ وَنَوَى الصَّلَاةَ الْإِمَامُ‏.‏

وَالْخَامِسُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ‏.‏

وَالسَّادِسُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا لِأَوْقَاتِهَا لَمْ يُجْزِهِ وَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ صَوْمَ آخِرَ شَعْبَانَ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ الصَّوْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَتُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مُتَنَوِّعَةٌ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ سَبَبَهُ‏.‏

هُوَ النِّصَابُ النَّامِي‏.‏

وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِكَوْنِ وَقْتِهَا سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَشَرْطًا لِصِحَّةِ الْأَدَاءِوَأَمَّا الْحَجُّ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَكِنْ عَلَّلُوهُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ نَوَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْفَرِيضَةَ؛ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ إلَّا لِأَجْلِ الْفَرْضِ‏.‏

فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ لَمْ يُجْزِهِ‏.‏

لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى الْفَرْضِ حَمْلًا لَهُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا‏.‏

فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَلَ فِيهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَانَ نَفْلًا‏.‏

وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَلِذَا قَالُوا أَنَّ صَوْمَ الْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِيتِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ صَالِحٌ لِصَوْمِ النَّفْلِ؛ وَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَلَا دَخْلَ لَهُمَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ‏.‏

لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَسَائِلِ‏.‏

وَقَدَّمْنَا أَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ كَافِيَةٌ وَعَلَى هَذَا الشُّرُوطِ كُلِّهَا لَا تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِقَوْلِهِمْ إنَّمَا يُرَاعَى حُصُولُهَا لَا تَحْصِيلِهَا‏.‏

وَكَذَا الْخُطْبَةُ لَا تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ وَإِنْ شَرَطْنَا لَهَا النِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلِذَا لَا تُعَادُ نَفْلًاوَلَمْ أَرَ حُكْمَ صَلَاةِ الصَّبِيِّ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ لِكَوْنِهَا غَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ كَذَا الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي هَذَا الْوَقْتِ‏.‏

وَلَمْ أَرَ أَيْضًا حُكْمَ نِيَّةِ فَرْضِ الْعَيْنِ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ‏.‏

وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ لِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، فَلَا شَكَّ إنَّهَا جَائِزَةٌ لَا فَرْضَ‏.‏

لِقَوْلِهِمْ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأُولَى، فَعَلَى هَذَا يَنْوِي كَوْنَهَا جَائِزَةً لِنَقْضِ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهَا نَفْلٌ تَحْقِيقًا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فَلَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ‏.‏

وَأَمَّا نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا عَيَّنَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُؤَدِّيَهَا صَحَّ‏.‏

نَوَى الْأَدَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ‏:‏ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُسْتَعْمَلُ مَكَانَ الْآخَرِ حَتَّى يَجُوزُ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبِالْعَكْسِ؛ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ كَالْعِبَادَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْكَفَّارَاتِ‏.‏

وَكَذَا مَا لَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا الْتِبَاسَ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَأَمَّا مَا يُوصَفُ بِهِمَا كَصَلَاةِ الْخَمْسِ فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ أَيْضًا‏.‏

قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ نَوَى الْأَدَاءَ‏.‏

عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ خُرُوجَهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ‏.‏

وَفِي الْبِنَايَةِ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَ مَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ وَفِي الْجُمُعَةِ يَنْوِيَهَا وَلَا يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة‏:‏ كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ‏.‏

الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَاخْتَلَفُوا أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ هَلْ تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ‏؟‏ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ إذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ فَرْضُ الْوَقْتِ وَكَذَا الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ‏.‏

وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ أُصُولِ فَجْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَدَاءَ يَصِحُّ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً‏.‏

كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى أَدَاءَ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ‏.‏

وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَهُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ فَوَقَعَ صَوْمُهُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ‏.‏

وَعَكْسُهُ كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى قَضَاءَ الظُّهْرِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ وَلَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ‏.‏

وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ قَدْ مَضَى‏.‏

وَالصِّحَّةُ فِيهِ بِاعْتِبَارَاتِهِ الَّتِي بِأَصْلِ النِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْخَطَأُ فِي مِثْلِهِ مَعْفُوٌّ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَأَمَّا الْحَجُّ‏.‏

فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ فِيهِ نِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ‏.‏

الْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ‏:‏

صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ‏.‏

لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ؛ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِخْلَاصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏

الصَّلَاةُ لِإِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ بَلْ يُصَلِّي لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ خَصْمَهُ لَمْ يَعْفُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

جَاءَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ لِدَانَقٍ ثَوَابُ سَبْعِ مِائَةِ صَلَاةٍ بِالْجَمَاعَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَفَا فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فَمَا الْفَائِدَةُ حِينَئِذٍ‏.‏

وَقَدْ أَفَادَ الْبَزَّازِيُّ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ أَنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ‏.‏

وَلَكِنْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَنَّ الْبَدَنَةَ تَجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ إنْ كَانَ الْكُلُّ مُرِيدًا الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَاتُهَا مِنْ ضَحِيَّةٍ وَقِرَانٍ وَمُتْعَةٍ قَالُوا فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُرِيدًا لَحْمًا لِأَهْلِهِ أَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُلُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً‏.‏

لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَبَحَهَا أُضْحِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تُجْزِيهِ بِالْأُولَى‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ‏.‏ وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْقَادِمِ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجْعَلُ الْمَذْبُوحَ مَيْتَةً‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ الذَّابِحِ فَالشَّيْخُ السفكردري وَعَبْدُ الْوَاحِدِ الدَّرَقِيُّ الْحَدِيدِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَالْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ وَالْفَضْلِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ‏.‏

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ افْتَتَحَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ‏.‏

وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَّى عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي، فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُهَا فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ‏.‏

وَلَا يَدْخُلُ الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ صَلَّى رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ‏.‏

وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ‏.‏ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَخَافُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الرِّيَاءُ‏.‏

فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّ السُّوقِيَّ لَا سَهْمَ لَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا التِّجَارَةَ لَا إعْزَازَ الدِّينِ وَإِرْهَابَ الْعَدُوِّ‏.‏

فَإِنْ قَاتَلَ اسْتَحَقَّهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِالْمُقَاتَلَةِ أَنَّ قَصْدَهُ الْقِتَالُ، وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ فَلَا تَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ إذَا أَتْجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ‏.‏

ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ‏.‏

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا خَرَجَ تَاجِرًا فَلَا أَجْرَ لَهُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ غَرِيمُهُ لَا يُجْزِيهِ وَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ طَالِبًا غَرِيمَهُ أَجْزَأَهُ‏.‏

وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَقَالُوا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏.‏

لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ‏.‏

وَرَأَيْت فَرْعًا فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِيمَنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَنَّهُ تُجْزِيهِ صَلَاتَهُ‏.‏

وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ‏.‏

وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوَاعِدِنَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ‏.‏

أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَلَمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يَدْخُلُ الْفَرَائِضَ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ أَمَّا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَبُ ابْنَهُ لِلْخِدْمَةِ لَا أَجْرَ لَهُ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةً بَلْ أَفْتَى الْمُتَقَدِّمُونَ بِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْجَوَازِ‏.‏

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِعْتَاقَ لِرَجُلٍ كَانَ مُبَاحًا‏.‏

وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ وَالْحِمْيَةَ وَيَشْمَلُهَا مَا إذَا أَشْرَكَ بَيْنَ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا فَهَلْ تَصِحُّ الْعِبَادَةُ‏؟‏ وَإِذَا صَحَّتْ فَهَلْ يُثَابُ بِقَدْرِهِ أَوْ لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا‏؟‏

وَأَمَّا الْخُشُوعُ فِيهَا بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ فَمُسْتَحَبٌّ‏.‏

وَفِي الْقُنْيَةِ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ وَشَغَلَهُ الْفِكْرُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ لَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَا يُعِيدُ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَنْقُصْ أَجْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ‏.‏

السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْوَسَائِلِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَسَائِلِ فَالْكُلُّ صَحِيحٌ‏.‏

قَالُوا لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْجُمُعَةِ وَلِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَاصِدِ‏.‏

فَإِمَّا أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ أَوْ فَرْضًا وَنَفْلًا‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا‏.‏

فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ نَوَى صَلَاتَيْ فَرْضٍ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَمْ تَصِحَّا اتِّفَاقًا‏.‏

وَلَوْ نَوَى فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَإِنْ نَوَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا‏.‏

وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ جَعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ‏.‏

وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَهُوَ عَنْ الزَّكَاةِ‏.‏

وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَيْنِ‏.‏

فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى انْصَرَفَ إلَيْهِ، فَصَوْمُ الْقَضَاءِ أَقْوَى مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّوْمِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ‏.‏

وَكَذَا الزَّكَاةُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ مَعَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَالزَّكَاةُ أَقْوَى وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُقَدِّمُ الْأَقْوَى أَيْضًا‏.‏

وَلِذَا قَدَّمْنَا الْمَكْتُوبَةَ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ‏.‏

وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ‏.‏

فَهِيَ لِلَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَوْ نَوَى فَائِتَتَيْنِ فَهِيَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً فَهِيَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى‏.‏

الظُّهْرَ وَالْفَجْرَ وَعَلَيْهِ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَهِيَ عَنْ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَهِيَ عَنْ الظُّهْرِ‏.‏

وَنَفَى مَا إذَا كَبَّرَ نَاوِيًا لِلتَّحْرِيمَةِ وَلِلرُّكُوعِ وَمَا إذَا طَافَ لِلْفَرْضِ وَلِلْوَدَاعِ، وَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تُجْزِيهِ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا التَّطَوُّعَ وَإِنْ نَوَى الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ يَكُونُ عَنْ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ التَّطَوُّعِ وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً وَجِنَازَةً فَهِيَ عَنْ النَّافِلَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا نَوَى نَافِلَتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى سُنَّتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ صَوْمَهُ عَنْهُ وَعَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَهُ فَإِنَّ نَافِلَةَ التَّحِيَّةِ إنَّمَا كَانَتْ ضِمْنًا لِلسُّنَّةِ‏.‏

لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا التَّعَدُّدُ فِي الْحَجِّ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ‏:‏

لَوْ أَحْرَمَ نَذْرًا وَنَفْلًا كَانَ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا، وَتَطَوُّعَا كَانَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَمِنْ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ‏.‏

وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَعِيَّةِ يَلْزَمُهُ إحْدَاهُمَا وَفِي التَّعَاقُبِ الْأُولَى فَقَطْ، وَإِذَا لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا، لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّفْضِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِيبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ‏:‏ إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا، وَنَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ‏.‏

وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ، وَدَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِمَاعِ وَدَمٌ ثَالِثٌ لِلرَّفْضِ، فَإِنَّهُ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى وَيَقْضِي الَّتِي مَضَى فِيهَا‏.‏

وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَ الَّتِي رَفَضَهَا، وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ، أَوْ أُحْصِرَ، فَدَمَانِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ، إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِلَا فَصْلٍ، وَأَمَّا إذَا نَوَى عِبَادَةً، ثُمَّ نَوَى، فِي أَثْنَائِهَا الِانْتِقَالَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ كَبَّرَ نَاوِيًا لِلِانْتِقَالِ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا، صَارَ خَارِجًا عَنْ الْأُولَى، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُكَبِّرْ لَا يَكُونُ خَارِجًا، كَمَا إذَا نَوَى تَجْدِيدَ الْأُولَى وَكَبَّرَ، وَتَمَامُهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِنَا عَلَى الْكَنْزِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

يَتَفَرَّعُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعِبَادَاتِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ‏:‏ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الْأُخْرَى الظِّهَارَ‏.‏

وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ فِي وَقْتِهَا

الْأَصْلُ أَنَّ وَقْتَهَا أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ، فَقَالُوا فِي الصَّلَاةِ‏:‏ لَوْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا، أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا تَوَضَّأَ فِي مَنْزِلِهِ لِيُصَلِّيَ الظُّهْرَ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ

هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّقَيَّاتِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الشُّرُوعِ تَبْقَى إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ حُكْمًا كَمَا فِي الصَّوْمِ، إذَا لَمْ يُبَدِّلْهَا بِغَيْرِهَا‏.‏

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ‏:‏ إنْ كَانَ عِنْدَ الشُّرُوعِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ‏:‏ أَيَّةُ صَلَاةٍ تُصَلِّي يُجِيبُ عَلَى الْبَدَاهَةِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ، فَهِيَ نِيَّةٌ تَامَّةٌ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ لَا تَجُوزُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَدْ شَرَطُوا عَدَمَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ تِلْكَ النِّيَّةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَعْرَاضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ بِكَلَامٍ، أَوْ أَكْلٍ، أَوْ تَقُولُ‏:‏ عُدَّ الْمَشْيُ إلَيْهَا مِنْ أَفْعَالِهَا غَيْرَ قَاطِعٍ لِلنِّيَّةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا، أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ، وَلَا يَكُونُ شَارِعًا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ، فَكَذَا الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَنَقَلَ ابْنُ وَهْبَانَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ مُوَافِقًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ، فَقِيلَ‏:‏ إلَى الثَّنَاءِ، وَقِيلَ‏:‏ إلَى التَّعَوُّذِ، وَقِيلَ‏:‏ إلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقِرَانِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ‏:‏ وَلَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ‏.‏

وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ فَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ‏:‏ إنَّ مَحَلَّهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي أَوَّلِ السُّنَنِ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ؛ لِيَنَالَ ثَوَابَ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَقَالُوا‏:‏ الْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ فِي السُّنَنِ وَفِي التَّيَمُّمِ يَنْوِي عِنْدَ الْوَضْعِ عَلَى الصَّعِيدِ‏.‏

وَلَمْ أَرَ وَقْتَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ لِلثَّوَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْتَ اقْتِدَاءِ أَحَدٍ بِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْتَ نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، هَذَا لِلثَّوَابِ وَأَمَّا لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ‏:‏ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ‏.‏

عَالِمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ، جَازَ، وَإِنْ نَوَى ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ‏:‏ لَا يَجُوزُ‏.‏

وَأَمَّا نِيَّةُ التَّقَرُّبِ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا فَوَقْتُهَا عِنْدَ الِاغْتِرَافِ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فِي الزَّكَاةِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ، أَوْ مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ مَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَكَانَتْ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الِاقْتِرَانُ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ، فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ، وَقَدْ جَوَّزُوا التَّقْدِيمَ عَلَى الْأَدَاءِ لَكِنْ عِنْدَ الْعَزْلِ، وَهَلْ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الْأَدَاءِ‏؟‏

فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ دَفَعَهَا بِلَا نِيَّةٍ، ثُمَّ نَوَى بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ‏.‏

فَكَالزَّكَاةِ نِيَّةً وَمَصْرِفًا قَالُوا‏:‏ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ لِلْفِطْرِ دُونَ الزَّكَاةِ‏.‏

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا فَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَدَاءَ رَمَضَانَ، أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ أَدَاءَ رَمَضَانَ جَازَ نِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَبِمُقَارِنَةٍ، وَهُوَ الْأَصْلُ‏.‏

وَبِمُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الشُّرُوعِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ تَيْسِيرًا عَلَى الصَّائِمِينَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَدَاءِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ فَيَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ‏.‏

وَيَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقِرَانُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَرَمَضَانُ أَدَاءً‏.‏

وَأَمَّا الْحَجُّ فَالنِّيَّةُ فِيهِ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَدَاءِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَانُ وَالتَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ أَفْعَالُهُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَ الْإِحْرَامُ، وَهِيَ رُكْنٌ فِيهِ، أَوْ شَرْطٌ عَلَى قَوْلَيْنِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

هَلْ تَصِحُّ نِيَّةُ عِبَادَةٍ، وَهِيَ فِي عِبَادَةٍ أُخْرَى‏؟‏ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ‏:‏ نَوَى فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، أَوْ نَافِلَةٍ الصَّوْمَ

تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ‏.‏

الثَّامِنُ فِي بَيَانِ عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي الْبَقَاءِ

وَحُكْمِهَا مَعَ كُلِّ رُكْنٍ قَالُوا‏:‏ فِي الصَّلَاةِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْبَقَاءِ لِلْحَرَجِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، فَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا تَلْزَمُ نِيَّةُ الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ جُزْءٍ إنَّمَا تَلْزَمُ فِي جُمْلَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَفِي الْبِنَايَةِ افْتَتَحَ الْمَكْتُوبَةَ‏.‏

وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْمُجْتَبَى‏:‏ وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ، وَهِيَ التَّذَلُّلُ، وَالْخُضُوعُ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ وَنِيَّةِ الطَّاعَةِ، وَهِيَ فِعْلُ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَهِيَ طَلَبُ الثَّوَابِ بِالْمَشَقَّةِ فِي فِعْلِهَا وَيَنْوِي أَنَّهُ يَفْعَلُهَا مَصْلَحَةً لَهُ فِي دِينِهِ‏.‏

وَأَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى مَا وَجَبَ عِنْدَهُ عَقْلًا مِنْ الْفِعْلِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَأَبْعَدَ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ هَذِهِ النِّيَّاتُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا خُصُوصًا عِنْدَ الِانْتِقَال مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ، وَالنَّفَلُ كَالْفَرْضِ فِيهَا إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ فِي النَّوَافِلِ أَنَّهَا لُطْفٌ فِي الْفَرَائِضِ وَتَسْهِيلٌ لَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي هِيَ ذَاتُ أَفْعَالٍ يَكْتَفِي بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ فِعْلٍ اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا، إلَّا إذَا نَوَى بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ، قَالُوا لَوْ طَافَ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لَا يُجْزِيهِ، وَلَوْ وَقَفَ كَذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ أَجْزَأَهُ وَقَدَّمْنَاهُ‏.‏

وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ عَهْدُ قُرْبَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ، وَفَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ، وَالطَّوَافُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِوَفِي الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ لَا تَعْيِينُ الْجِهَةِ، وَقَالُوا‏:‏ لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ، وَلَوْ طَافَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرُ، وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ‏.‏

وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ تَنْسَحِبُ عَلَى أَرْكَانِهَا‏.‏

وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنْ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي بَعْضِ الْأَرْكَانِ لَا تُبْطِلُهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ‏:‏ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ لَا يَنْوِيَ الْعِبَادَةَ بِبَعْضِ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا لَا تَتِمُّ الْعِبَادَةُ بِدُونِهِ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ أَسَاءَ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

قِيلَ عَلَيْهِ‏:‏ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْكُورَ كَوْنُ طَوَافِ الرُّكْنِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي بَعْضِ الْأَرْكَانِ، أَيْ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَرْكَانِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، فَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ كَمَا تَرَى، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي خِلَالِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ، فَفِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْهُ نَظَرٌ قَدْ أَسَاءَ

التَّاسِعُ فِي مَحَلِّهَا‏:‏

مَحَلُّهَا الْقَلْبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَدَّمْنَا حَقِيقَتَهَا، وَهُنَا أَصْلَانِ‏:‏

الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ دُونَهُ

وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُجْتَبَى، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْضِرَ قَلْبَهُ لِيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ، أَوْ يَشُكُّ فِي النِّيَّةِ يَكْفِيهِ التَّكَلُّمُ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

ثُمَّ قَالَ فِيهَا‏:‏ وَلَا يُؤَاخَذُ بِالنِّيَّةِ حَالَ سَهْوِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيمَا يَسْهُو مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا ثَوَابًا‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ اللِّسَانُ، وَالْقَلْبُ فَالْمُعْتَبَرُ مَا فِي الْقَلْبِ، وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْيَمِينُ لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ إنْ عُقِدَتْ الْكَفَّارَةُ، أَوْ قَصَدَ الْحَلِفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ، هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ فَيَقَعُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً‏.‏

وَمِنْ فُرُوعِهِ، لَوْ قَصَدَ بِلَفْظٍ غَيْرَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ‏.‏

وَإِنَّمَا قَصَدَ مَعْنًى آخَرَ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُقْبَلْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ‏:‏ قَصَدْت بِهِ عَنْ عَمَلِ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَقَدْ حَكَى فِي الْبَسِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْوُعَّاظِ طَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ‏:‏ طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ فِيهِمْ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَفْتَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ‏.‏

قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

قُلْت يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْعِتْقِ‏.‏

رَجُلٌ قَالَ‏:‏ عَبِيدُ أَهْلِ بَلْخِي أَحْرَارٌ، وَقَالَ‏:‏ عَبِيدُ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، وَقَالَ‏:‏ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَلْخِي، أَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ، أَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ، أَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ يُعْتَقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ، وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخَذَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ شَدَّادٌ‏.‏

وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ وَعَبْدُهُ فِي السِّكَّةِ، أَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حُرٌّ، وَهُوَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ حُرٌّ وَعَبِيدُهُ فِيهَا يُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي قَوْلِهِمْ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَاعِظَ إذَا كَانَ فِي دَارٍ طَلُقَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَامِعِ، أَوْ السِّكَّةِ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَالْأَوْلَى تَخْرِيجُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ قَالُوا حَنِثَ، وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

فَعِنْدَ عَدَمِ نِيَّةِ الْوَاعِظِ يَحِقُّ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا فِيهِمْ، أَوْ لَا وَتَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا فُرُوعٌ لَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ يَا طَالِقُ، وَهُوَ اسْمُهَا وَلَمْ يَقْصِدْ الطَّلَاقَ قَالُوا‏:‏ لَا يَقَعُ كَيَا حُرُّ، وَهُوَ اسْمُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفَرَّقَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ، وَبَيْنَ الْعِتْقِ فَيَقَعُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ‏.‏

وَلَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ، وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت بِهِ التَّعْلِيقَ عَلَى كَذَا لَمْ يُقْبَلُ قَضَاءً وَيَدِينُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت غَيْرَك فُلَانَةَ لَمْ يُقْبَلْ كَذَلِكَ، وَفِي الْكَنْزِ لَوْ قَالَتْ‏:‏ تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ، فَقَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ‏:‏ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحُّ عِنْدِي وَلَوْ قِيلَ لَهُ‏:‏ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ هَذِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ مَذْكُورٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ‏.‏

وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَائِلًا‏:‏ لَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ‏؟‏ اشْتَمَلَ عَلَى الصَّارِفِ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ غَيْرُ هَذِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ دُخُولِ الزَّوْجَةِ الْمُخَاطَبَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ غَيْرَ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَقَيَّدُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَمَا فِي يَمِينِ الْفَوْرِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُقَالُ‏:‏ تَغَدَّ مَعِي؛ فَقَالَ‏:‏ إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، أَوْ جَعَلَ الْمُرَادَ مِنْهُ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا‏:‏ تَزَوَّجْت عَلَيَّ امْرَأَةً، فَقَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك طَالِقٌ، فَلَا تَطْلُقُ الْمُخَاطَبَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ‏.‏ وَفِي الْكَنْزِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، عَتَقَ عَبْدُهُ الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ، أَوْلَادِهِ وَمُدَبِّرُوهُ، وَفِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دِينَ، وَكَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَ الْمُدَبِّرِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ، أَوْ عَكْسَهُ لَا يَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَالثَّانِيَ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ، وَلَا عُمُومَ لِغَيْرِ اللَّفْظِ، فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ‏.‏

وَلَوْ نَوَى النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ يُدَيَّنْ وَفِي الْكَنْزِ‏:‏ إنْ لَبِسْت، أَوْ أَكَلْت، أَوْ شَرِبْتُ وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا، أَوْ طَعَامًا، أَوْ شَرَابًا دُيِّنَ، وَفِي الْمُحِيطِ‏:‏ لَوْ نَوَى جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ فِي لَا يَأْكُلُ طَعَامًا وَجَمِيعَ مِيَاهِ الْعَالَمِ فِي‏:‏ لَا يُشْرِبُ شَرَابًا يُصَدَّقُ قَضَاءً‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ يُصَدَّقُ دَيَّانَةً لَا قَضَاءً وَقِيلَ قَضَاءً أَيْضًا‏.‏

وَفِي الْكَنْزِ وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَتْ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ لَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏، وَفِي شَرْحِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا، أَوْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي النِّيَّةِ الْجُمْلَةِ‏.‏

وَفِي الْخَانِيَّةِ‏:‏ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ وَرَجُلٍ فَقَالَ‏:‏ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقَعُ‏.‏

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَقَالَ‏:‏

طَلَّقْت أَحَدَيْكُمَا طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَعَنْهُمَا أَنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ كَالْبَهِيمَةِ، وَالْحَجَرِ وَقَالَ‏:‏ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ لَا تَطْلُق‏.‏

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ الْحَيَّةِ، وَالْمَيِّتَةِ، وَقَالَ‏:‏ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ الْحَيَّةُ‏.‏ ‏(‏انْتَهَى‏)‏‏.‏

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَوَى عَدَمَهُ فِيمَا قُلْنَا بِالْوُقُوعِ فِيهِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ‏.‏

وَفِيهَا لَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ يَا مُطَلَّقَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقْتهَا قَبْلَهُ‏.‏

أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَكِنْ مَاتَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ، إنْ لَمْ يَنْوِ الْإِخْبَارَ طَلُقَتْ‏.‏

وَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِخْبَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِهِ الشَّتْمَ دِينَ فَقَطْ‏.‏

الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ التَّاسِعِ‏:‏ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ التَّلَفُّظُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ‏:‏ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ، أَوْ يُسَنُّ، أَوْ يُكْرَهُ‏؟‏ أَقُولُ‏:‏ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ لِمَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا فِي ضَعِيفٍ‏.‏

وَزَادَ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَفِي الْمُفِيدِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا النُّطْقَ بِاللِّسَانِ، وَرَآهُ الْآخَرُونَ سُنَّةً، وَفِي الْمُحِيطِ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ سُنَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَنَقَلُوا فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ طَلَبَ التَّيْسِيرِ لَمْ يُنْقَلْ إلَّا فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُجْتَبَى، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا النَّذْرُ لَا تَكْفِي فِي إيجَابِهِ النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ‏.‏

وَمِنْهَا الْوَقْفُ وَلَوْ مَسْجِدًا لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا تَوَقُّفُ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْإِحْرَامِ عَلَى الذِّكْرِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ؛ فَلِأَنَّهُ مِنْ الشَّرَائِطِ لِلشُّرُوعِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ فَلَا يَقَعَانِ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هِيَ‏:‏ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ عَمْرَةُ وَزَيْنَبُ فَقَالَ‏:‏ يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الَّتِي أَجَابَتْ إنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْجَوَابَ جَوَابًا لِكَلَامِ الَّتِي أَجَابَتْهُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ نَوَيْت زَيْنَبَ ‏"‏طُلِّقْت زَيْنَبُ، فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى زَيْنَبَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ‏.‏

وَمِنْهَا حَدِيثُ النَّفْسِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ أَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ، أَوْ الطَّاعَةِ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ، الْهَاجِسُ، وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا ثُمَّ جَرَيَانُهُ فِيهَا، وَهُوَ الْخَاطِرُ، ثُمَّ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ التَّرَدُّدِ هَلْ يَفْعَلُ، أَوْ لَا، ثُمَّ الْهَمُّ، وَهُوَ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْلِ، ثُمَّ الْعَزْمُ، وَهُوَ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ، وَالْجَزْمُ بِهِ، فَالْهَاجِسُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرَدَ عَلَيْهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا صُنْعَ، وَالْخَاطِرُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِهِ بِصَرْفِ الْهَاجِسِ أَوَّلَ وُرُودِهِ، وَلَكِنَّهُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مَرْفُوعَانِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ حَدِيثُ النَّفْسِ ارْتَفَعَ مَا قَبْلَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَهَذِهِ الثَّلَاثُ لَوْ كَانَتْ فِي الْحَسَنَاتِ لَمْ يُكْتَبْ بِهَا أَجْرٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَأَمَّا الْهَمُّ فَقَدْ بُيِّنَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْهَمَّ بِالْحَسَنَةِ يُكْتَبُ حَسَنَةً وَأَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ سَيِّئَةً، وَيُنْظَرُ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَةً، وَإِنْ فَعَلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً‏.‏

وَالْأَصَحُّ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَحْدَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْهَمُّ فَمَرْفُوعٌ وَأَمَّا الْعَزْمُ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ‏.‏

وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْهَمِّ الْمَرْفُوعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ‏:‏ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لَا يَأْثَمُ إنْ لَمْ يُصَمِّمْ عَزَمَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَزَمَ يَأْثَمُ إثْمَ الْعَزْمِ لَا إثْمَ الْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ كَالْكُفْرِ‏.‏

اللُّغَوِيَّ لَا يَتَنَزَّلُ إلَى هَذِهِ الدَّقَائِقِ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ‏:‏ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ، وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ‏:‏ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»‏.‏

فَعَلَّلَ بِالْحِرْصِ‏.‏

الْعَاشِرُ فِي شُرُوطِ النِّيَّةِ

الْأَوَّلُ الْإِسْلَامُ؛ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ الْعِبَادَاتُ مِنْ كَافِرٍ، صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ‏(‏فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ فَإِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُمَا صَلَّى بِهِمَا لَكِنْ‏:‏ قَالُوا إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْكِتَابِيَّةِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ حَلَّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

وَإِنْ صَحَّ مِنْهَا لِصِحَّةِ طَهَارَةِ الْكَافِرِ قَبْلَ إسْلَامِهِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ‏:‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ أَعْلِمْ النَّصْرَانِيَّ الْفِقْهَ، وَالْقُرْآنَ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ، وَإِنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ مَسَّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَّارَةُ مِنْ كَافِرٍ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ‏}‏ أَيْ الصُّورِيَّةَ‏.‏

وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْخُلَاصَةِ هِيَ صَبِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ خَرَجَا إلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ قَصَرَ الْكَافِرُ لِاعْتِبَارِ قَصْدِهِ لَا الصَّبِيُّ فِي الْمُخْتَارِ‏.‏

الثَّانِي التَّمْيِيزُ‏:‏ فَلَا تَصِحُّ عِبَادَةُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَمِنْ فُرُوعِهِ عَمَلُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ، وَلَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنُ الصَّبِيِّ مُمَيِّزًا، أَوْ لَا وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ السَّكْرَانِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ‏.‏

وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالسُّكْرِ كَمَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ الْعِلْمُ بِالْمَنْوِيِّ فَمَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقُنْيَةِ‏)‏‏.‏

إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّحَهُ فَإِنْ عَيَّنَ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً صَحَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ، وَإِنْ شَرَعَ تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً‏.‏

الرَّابِعُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَيْنَ النِّيَّةِ، وَالْمَنْوِيِّ، قَالُوا‏:‏ إنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى التَّحْرِيمَةِ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بَعْدَهَا بِمُنَافٍ لَيْسَ مِنْهَا‏.‏

وَعَلَى هَذَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِالِارْتِدَادِ فِي أَثْنَائِهَا‏.‏

وَتَبْطُلُ صُحْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ بِالرِّدَّةِ إذَا مَاتَ عَلَيْهَا فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَانِعَ مِنْ عَوْدِهَا وَإِلَّا فَفِي عَوْدِهَا نَظَرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ، وَمَنْ الْمُنَافِي نِيَّةُ الْقَطْعِ‏.‏

فَإِذَا نَوَى قَطْعَ الْإِيمَانِ صَارَ مُرْتَدًّا لِلْحَالِ وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ، وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ إلَّا إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ وَنَوَى الدُّخُولَ فِي أُخْرَى‏.‏

فَالتَّكْبِيرُ هُوَالْقَاطِعُ لِلْأُولَى لَا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ الْفَرْضُ إذَا شَرَعَ فِيهِ بَعْدَ الْعَجْزِ، ثُمَّ نَوَى قَطْعَهُ وَالِانْتِقَالَ إلَى صَوْمِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ‏.‏

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فِي الصَّلَاةِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ‏.‏

وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ثُمَّ غَيَّرَ نِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَجَعَلَهَا تَطَوُّعًا صَارَتْ تَطَوُّعًا وَلَوْ نَوَى الْأَكْلَ أَوْ الْجِمَاعَ فِي الصَّوْمِ لَا يَضُرُّهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى فِعْلًا مُنَافِيًا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ مَا أَمْسَكَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَالْأَكْلِ بَعْدَ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لَا يُبْطِلُهَا وَلَوْ نَوَى قَطْعَ السَّفَرِ بِالْإِقَامَةِ صَارَ مُقِيمًا وَبَطَلَ سَفَرُهُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ‏:‏

تَرْكِ السَّيْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ سَائِرًا لَمْ تَصِحَّ، وَصَلَاحِيَّةِ الْمَوْضِعِ لِلْإِقَامَةِ، فَلَوْ نَوَاهَا فِي بَحْرٍ، أَوْ جَزِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ، وَاتِّحَادِ الْمَوْضِعِ، وَالْمُدَّةِ، وَالِاسْتِقْلَالِ بِالرَّأْيِ‏.‏

فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّابِعِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ سَوَاءٌ نَوَاهَا فِي أَوَّلِهَا، أَوْ فِي وَسَطِهَا، أَوْ فِي آخِرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا، أَوْ مُقْتَدِيًا، أَوْ مُدْرِكًا، أَوْ مَسْبُوقًا‏.‏

أَمَّا اللَّاحِقُ لَا يُتِمُّهَا بِنِيَّتِهَا بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ لِاسْتِحْكَامِ فَرْضِهِ بِفَرَاغِ إمَامِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ‏.‏ وَلَوْ نَوَى بِمَالِ التِّجَارَةِ الْخِدْمَةَ، كَانَ لِلْخِدْمَةِ بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ‏.‏

وَأَمَّا نِيَّةُ الْخِيَانَةِ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً لَكِنَّ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ‏:‏ مِنْ جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا تَعَدَّى، ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَزُولُ التَّعَدِّي‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

وَتَقْرُبُ مِنْ نِيَّةِ الْقَطْعِ نِيَّةُ الْقَلْبِ، وَهِيَ نِيَّةُ نَقْلِ الصَّلَاةِ إلَى أُخْرَى قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشُّرُوعِ بِالتَّحْرِيمَةِ لَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى كَأَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَصْرِ بَعْدَ افْتِتَاحِ الظُّهْرِ فَيَفْسُدُ الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهَا بَطَلَتْ الْأُولَى مُطْلَقًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَارِيعَهَا فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏

وَمِنْ الْمُنَافِي التَّرَدُّدُ وَعَدَمُ الْجَزْمِ فِي أَصْلِهَا وَفِي الْمُلْتَقَط، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ اشْتَرَى خَادِمًا لِلْخِدْمَةِ، وَهُوَ يَنْوِي إنْ أَصَابَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ لَوْ نَوَى يَوْمَ الشَّكِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَنَفْلٌ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الصَّوْمِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَشَكَّ أَنَّهُ قَضَاهَا، أَوْ لَا فَقَضَاهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ لَا تُجْزِيهِ لِلشَّكِّ وَعَدَمِ الْجَزْمِ بِتَعْيِينِهَا‏.‏

وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَأَتَى بِهَا فَبَانَ أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ‏:‏ لَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ لَا يُجْزِيهِ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ‏:‏ أَدْرَكَ الْقَوْمَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ، أَوْ التَّرْوِيحَةُ يُكَبِّرُ وَيَنْوِي الْمَكْتُوبَةَ عَلَى أَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً يَقْضِيهَا يَعْنِي الْعِشَاءَ فَإِذَا هُوَ فِي الْعِشَاءِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ فِي التَّرْوِيحَةِ يَقَعُ نَفْلًا‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

عَقَّبَ النِّيَّةَ بِالْمَشِيئَةِ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بَطَلَ‏.‏

تَكْمِيْل‏:‏

النِّيَّةُ شَرْطٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا رُكْنٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا شَرْطٌ كَالنِّيَّةِ‏.‏

وَقِيلَ بِرُكْنِيَّتِهَا‏.‏

قَاعِدَةٌ فِي الْأَيْمَانِ

تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ مَقْبُولٌ دَيَّانَةً لَا قَضَاءً وَعِنْدَ الْخَصَّافِ يَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا فَلَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ‏:‏ قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلْدَةِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ‏.‏

مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ فَلَمَّا حَلَّفَهُ الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا وَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ مُخَلِّصٌ لِمَنْ حَلَّفَهُ ظَالِمٌ‏.‏

وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَمَنْ وَقَعَ فِي يَدِ الظَّلَمَةِ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ‏:‏

عَنَيْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دِينَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يُصَدَّقْ دِيَانَةً أَيْضًا كَقَوْلِهِ‏:‏ نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ، وَالْفَرْقُ بَيِّنَاهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ‏.‏

وَأَمَّا تَعْمِيمُ الْخَاصِّ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ أَرَهُ الْآنَ‏.‏

قَاعِدَةٌ فِيهَا أَيْضًا

الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مَظْلُومًا، وَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ إنْ كَانَ ظَالِمًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ‏.‏

قَاعِدَةٌ فِيهَا أَيْضًا‏:‏

الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ، فَلَوْ اغْتَاظَ مِنْ إنْسَانٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي لَهُ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ، أَوْ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ مَعَ أَنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ لَكِنْ لَا حِنْثَ بِلَا لَفْظٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَحَدَ عَشَرَ حَنِثَ‏.‏

وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ‏.‏

فُرُوعٌ‏:‏

لَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا، أَوْ حُرَّةً فَنَادَاهَا إنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ، أَوْ الْعِتْقَ وَقَعَا، أَوْ النِّدَاءَ فَلَا، أَوْ أَطْلَقَ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ وَقَعَ الْكُلُّ، أَوْ التَّأْكِيدَ فَوَاحِدَةٌ دِيَانَةً، وَالْكُلُّ قَضَاءً‏.‏

وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ وَلَوْ‏:‏ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ‏.‏

فَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ دَخَلَ بِهَا أَوَّلًا وَإِلَا فَإِنْ نَوَى وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ‏.‏

كَمَا إذَا نَوَى الظَّرْفَ، أَوْ أَطْلَقَ وَلَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ فَكَذَلِكَ‏.‏

وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي، أَوْ كَأُمِّي رُجِعَ إلَى قَصْدِهِ لِيَنْكَشِفَ حُكْمُهُ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ فَاشٍ فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَرَدْتُ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ هُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إيلَاءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا، أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إيلَاءٌ‏.‏

وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظِهَارٌ‏.‏

وَمِنْهَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ قُرْآنًا فَإِنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ حَرُمَ، وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ فَلَا وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ إنْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ كُرِه‏.‏

عَطَسَ الْخَطِيبُ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏:‏ إنْ قَصَدَ الْخُطْبَةَ صَحَّتْ، وَإِنْ قَصَدَ الْحَمْدَ لِلْعُطَاسِ لَمْ تَصِحَّ‏.‏

ذَبَحَ فَعَطَسَ وَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَكَذَلِكَ، ذَكَرَ الْمُصَلِّي آيَةً لَوْ ذَكَرَ، أَوْ قَصَدَ بِهِ جَوَابَ الْمُتَكَلِّمِ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تَكْمِيلٌ فِي النِّيَابَةِ فِي النِّيَّةِ‏:‏

قَالَ فِي تَيَمُّمِ الْقُنْيَةِ‏:‏ مَرِيضٌ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَالنِّيَّةُ عَلَى الْمَرِيضِ دُونَ التَّيَمُّمِ، وَفِي الزَّكَاةِ قَالُوا الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ، فَلَوْ نَوَاهَا وَدَفَعَ الْوَكِيلُ بِلَا نِيَّةٍ أَجْزَأَتْهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّرْحِ، وَفِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْمَأْمُورِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ النِّيَابَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ إنَّمَا صَدَرَتْ مِنْ الْمَأْمُورِ فَالْمُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ

اشْتَمَلَتْ قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا عَلَى عِدَّةِ قَوَاعِدَ كَمَا تَبَيَّنَ لَك وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى عُيُونِ مَسَائِلِهَا وَإِلَّا فَمَسَائِلُهَا لَا تُحْصَى وَفُرُوعُهَا لَا تُسْتَقْصَى‏.‏

خَاتِمَةٌ

تَجْرِي قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا فَأَوَّلُ مَا اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ، وَالْجُمْهُورُ بِاشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى كَلَامًا مَا نَطَقَ بِهِ النَّائِمُ وَالسَّاهِي وَمَا تَحْكِيهِ الْحَيَوَانَاتُ الْمُعَلَّمَةُ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَشْتَرِطْهُ وَسَمَّى كُلَّ ذَلِكَ كَلَامًا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانَ‏.‏

وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِقْهِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ نَائِمًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرَطَ أَنْ يُوقِظَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرْحِ وَلَمْ أَرَ إلَى الْآنَ حُكْمَ إذَا مَا كَلَّمَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ سَكْرَانَ، وَلَوْ سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ حَيَوَانٍ صَرَّحُوا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقَارِئِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَهَا مِنْ جُنُبٍ، أَوْ حَائِضٍ، وَالسَّمَاعُ مِنْ الْمَجْنُونِ لَا يُوجِبُهَا، وَمِنْ النَّائِمِ يُوجِبُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ‏.‏

وَكَذَا تَجِبُ بِسَمَاعِهَا مِنْ سَكْرَانَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمُنَادَى النَّكِرَةُ إنْ قَصَدَ نِدَاءَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ يُعَرَّفُ وَوَجَبَ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّمِّ، وَإِلَّا لَمْ يُعَرَّفْ وَأُعْرِبَ بِالنَّصْبِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعَلَمُ الْمَنْقُولُ مِنْ صِفَةٍ إنْ قُصِدَ بِهِ لَمْحُ الصِّفَةِ الْمَنْقُولِ مِنْهَا أُدْخِلَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَإِلَّا فَلَا، وَفُرُوعُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَتَجْرِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْعَرُوضِ أَيْضًا، فَإِنَّ الشِّعْر عِنْدَ أَهْلِهِ كَلَامٌ مَوْزُونٌ مَقْصُودٌ بِهِ ذَلِكَ، أَمَّا مَا يَقَعُ مَوْزُونًا اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى شِعْرًا، وَعَلَى ذَلِكَ خُرِّجَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏}‏ وَفِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ‏:‏

هَلْ أَنْتَ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيتِ *** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ